جاءت نتائج المؤتمر السادس للصحفيين ومن وجهة نظري ملبية للعديد مما يدور في أذهان أهل المهنة وصناعها، من خلال مناقشات شارك فيها وحضرها المئات من أعضاء الجمعية العمومية، لم يتم الحجر على رأي، وسادت خلال المناقشات "ديمقراطية الحوار"، من أجل مستقبل أفضل للمهنة وصناعها، وقبل ذلك للوطن والمواطن.
لاحظت على مدى أيام المؤتمر أن هموم الصحفيين الخاصة، هي ذاتها هموم المجتمع، والبحث عن الحقيقة، وترسيخها، والوصول لحلول للأزمات الاقتصادية والمجتمعية، والمناخ العام الذي نعيشه جميعا، والهجف الرئيسي هو حياة كريمة بروح وفعل الحرية في الرأي والتعبير للنهوض بالوطن ومواطنيه، من خلال الاتفاق على النقاط المشتركة التي يلتف حولها الجميع، وفتح حوار حر حول القضايا التي بحاحة لنقاش طويل للوصول لحلول ناجعة ونهائية.
المناقشات والأبحاث والحوار الذي دار حول الحريات العامة وقضايا الصحفيين، تتقاطع مع مطالب الشارع، وليست مطالب فئوية، خصوصا المطالبة الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين وتبييض السجون من المحبوسين في قضايا النشر والرأي والتعبير والامتناع عن توجيه اتهامات جديدة لهم ليستمروا قيد الحبس.
ولا يختلف ما طالب به المؤتمر مع مطالب الشارع برفع أسماء باقي المدرجين على قوائم الإرهاب، وبالذات من لم تتلوث أيديهم باي جرائم، استمرارا لما تم الترحيب به من الجميع، لما قامت به الدولة بإخراج المئات من قوائم الإرهاب بعد مراجعة أوضاعهم.
ولا يختلف اثنان على أهمية إصدار قانون بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية، توافقا مع التنفيذ التشريعي الكامل لنصوص الدستور، وهو ما يعزز من الحريات العامة لدعم بناء الوطن بالمشاركة الفعالة المسؤولة، مع التطبيق الكامل والأمين للضمانات الدستورية التي تكفل حرية الممارسة الصحفية في إطار من حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع والصحافة والطباعة، وإزالة القيود التشريعية على حرية الصحافة بأنواعها.
واجتهد المؤتمر في هذا المجال باعتماد حزمة من التعديلات التشريعية لحذف وتعديل عدد من مواد قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب وقانون جرائم تقنية المعلومات وقانون الإجراءات الجنائية، وذلك على ضوء النصوص الدستورية ومبادئ المحكمة الدستورية العليا.
ولمواجهة الشائعات اليومية والتي تتسبب في حالة من البلبلة، كان للمؤتمر وجهة نظر مهمة وعملية من خلال "مشروع قانون" ورؤية المؤتمر تتركز في أهمية حرية تداول المعلومات كحق أساسي للمواطن، وهو ما يسد الطريق أمام كل مروجي الشائعات بالداخل والخارج، عبر حرية الوصول، وحق الإتاحة، وتجريم المخالفة، وتنظيم التوثيق الدوري والإلزامي، وهو ما يقره دستور الدولة.
ومن القضايا المهمة ما يشهده المجتمع من ممارسات احتكارية في العديد من المجالات، ولهذا جاء التشديد على الرفض للممارسات الاحتكارية في مجالي الصحافة والإعلام، وتفعيل دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وفقا للدستور، وهذا ينطبق على كل الممارسات الاحتكارية اقتصاديا واستثماريا ومجتمعيا وربما سياسيا.
ولا يختلف ما طالب به المؤتمر مع مطالب عامة الناس، في رفع الحجب عن جميع المواقع الصحفية والمواقع التي تقدم محتوى إعلاميا، وألا يتم إلا استنادا لقرار قضائي مع وقف الملاحقات الأمنية لمالكي المواقع الإلكترونية ومديريها والعاملين بها، وهو ما ينطبق على قضايا أخرى في المجتمع لتعزيز مفاهيم الحرية والديمقراطية المسؤولة.
وكذلك سرعة البت في طلبات الترخيص المقدمة من جميع المواقع الصحفية، هو ما ينطبق على مشروعات أخرى اقتصادية واستثمارية، في تأكيد على أن مطالب مؤتمر الصحفيين هي ذاتها مطالب المجتمع المصري، مع التأكيد على مبدأ تخفيف الأعباء المالية على تقنين أوضاع الصحف والموقع الإلكترونية، وهو ذات المطلب من رجال اعمال ومستثمرين، وأفراد.
والتزاما من المجتمع الصحفي، جاءت دعوة المؤتمر بتبنى لجنة متابعة التوصيات حوارا موسعا للخروج بمدونة سلوك في ضوء التشريعات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مع تبني آلية لتطوير ميثاق الشرف الصحفي ومن خلال لجنة من شخصيات تحظى بالاستقلال والمصداقية.
وتقاطعت توصيات المؤتمر في جانبها الاقتصادي مع الواقع الاقتصادي في الدولة، فالتوصيات الخاصة بإصلاح المؤسسات الصحفية القومية، يتطابق كليا مع خطط الإصلاح المطلوبة للمؤسسات الدولة وشركاتها العامة والقومية.
ولا شك أن دعوة المؤتمر بوضع خطة بجدول زمني محدد للإصلاح الاقتصادي والمالي في المؤسسات الصحفية مع ضمان رقابة لبرنامج العمل، وتوصيات الدراسات في هذا الشأن يصلح لكل مؤسسات الدولة وشركاتها التي تعاني من أزمات نفس الأزمات.
وفي التفاصيل جاءت التوصيات لتصبح برنامج عمل لكل المؤسسات من خلال تصحيح الاختلالات في طريقة إعداد الميزانيات وضمان مناقشة جادة لها أولاً بأول في مجالس الإدارات والجمعيات العمومية، مع تعظيم مبدأ الشفافية في نشر الميزانيات لإشراك كل الأطراف في تقديم اقتراحاتهم لمعالجة المشاكل فيها.
وما يتم الدعوة له في المؤسسات الصحفية لإصلاح أوضاعها يمكن أن يتم في المؤسسات الأخرى بالاستثمار في التحول الرقمي، والتطوير والتحديث التكنولوجي، والتنمية البشرية، ومن خلال التدريب المستمر.
والقراءة الجيدة في مناقشات والأوراق التي ناقشها مؤتمر الصحفيين السادس، في محوره الاقتصادي، تصلح لكل الشركات الخاصة، بما في ذلك المطالبة به بدور الدولة في خريطة جديدة للإصلاح، بإسقاط فوائد ديون الضرائب والتأمينات الاجتماعية، على مختلف المؤسسات والصحف العامة والحزبية والخاصة، وجدولة أصل الدين، ومعاملة الصحف الخاصة وفق نظام الشركات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من مزايا القانون المنظم لنشاطها، ويتقاطع هذا مع خطة توفيق أوضاع الشركات الصغيرة والشركات بالاقتصاد غير الرسمي.
ومما لا شك فيه أن ما يتعلق بزيادة دخل الصحفيين وتحسين أوضاعهم، هو ذاته ما ينطبق على الدعوة إلى تطيق عادل للحد الأدنى للأجور الذي اعتمدته الدولة بستة آلاف جنيه، في مختلف الشركات والتي تتهرب من مسؤولياتها تجاه العاملين فيها، بخلاف حوار موضوعي حول بنود مشروع قانون العمل الجديد، وتفعيل دور المجلس الأعلى للأجور بوضع حد أدنى في جميع القطاعات على المستوى القومي.
وحق الصحفيين في زيادة موارد نقابتهم يتوافق مع التنوع الواسع في موارد النقابات المهنية الأخرى، ولبس مطلبا فئويا، ومن هنا رأي المؤتمر تشكيل لجنة من النقابة وأعضاء الجمعية العمومية، والخبراء لوضع مشروع قانون متكامل لزيادة موارد النقابة.
بالفعل فقد جاء ما نتج عن مؤتمر الصحفيين بمثابة برنامج عمل يصلح لكل القطاعات، بما في ذلك تفعيل دور الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية وتقديم كل ما يتعلق بنشاط المؤسسة إلى أعضائها وعدم الاكتفاء بالميزانيات والتقارير السنوية، وتحويل إدارات شئون العاملين بالمؤسسات إلى إدارات الموارد البشرية بحيث يتم متابعة التطور المهني للموظفين، مع تعزيز مفهوم الحوكمة وتطبيقه، وبهذا تصبح توصيات المؤتمر برنامج إصلاح لمؤسسات الدولة المصرية.
-------------------------------
بقلم: محمود الحضري